كتب: أشرف السماحي
"رمضاااان أهلا"..
هبت نسائم الشهر الفضيل، أفضل شهور السنة على قلوب المسلمين، لتدخل البهجة والسرور إلى بيوت اشتاقت إلى نفحات هذا الشهر المبارك، ما بين ابتهالات وتراويح، وصلوات وتسابيح، ودعوات إلى الله بقلوب يلمؤها اليقين بالاستجابة.
ومع رؤية هلال شهر رمضان المعظم، كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (هلال رشد وخير، هلال رشد وخير، آمنت بالذي خلقك)، (الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضا، ربي وربك الله).
وكأنها رسالة ربانية على لسان النبي الكريم مفادها أن الدعوات في الشهر الفضيل أقرب إلى الاستجابة والتحقيق، ولكل مسلم دعوات ينتظر تحقيقها؛ فهناك من يدعو بشفاء مريض، أو عودة غائب، أو تيسير في أمور الدنيا، أو سداد دين، وإصلاح حال الأبناء.
نفحات رمضانية
ويستشعر المسملون بنفحات هذا الشهر الفضيل حتى من قبل قدومه بعدة أيام، وذلك من خلال الأجواء الرمضانية العطرة التي تملأ الشوارع والميادين بمظاهر الاحتفال بقدوم شهر الخير والبركة، حيث تتزين الشوارع بالأنوار والمصابيح، وتُعلق الزينة ما بين البيوت، وتمتلئ المساجد بالمصلين، وتصدح أصوات الصلوات ما بين تراويحٍ وتهجدٍ وقيام، في مشاهد إيمانية ذات حنين خاص داخل قلب كل مسلم، ففي كل مرة نسمع فيها ابتهال (رمضان أهلا) للشيخ النقشبندي، أو أغنية (رمضان جانا) لعبد المطلب، أو (مرحب شهر الصوم) للفنان عبدالعزيز محمود، والأشهر على الإطلاق (أهو جه يا اولاد) للثلاثي المرح، حتى تأخذنا النوستالجيا إلى أزمنة مرت نمتنى عودتها، ولا يسعنا الآن سوى أن نحكي عنها لأبنائنا ونحن نحيا تفاصيلها بداخلنا، داعين المولى أن يستشعروا بلذة رمضان في أيامهم كما استشعرنا بها في أيامنا!
رمضان بين الماضي والحاضر
"اصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضاااان كريييم".. بهذا النداء الأثير، وعلى هذه الأصوات، كان الإعلان عن قرب موعد السحور بالطريقة القديمة والتي كان يقوم بها أحد الأشخاص يلقب بـ"المسحراتي".. وكانت تتخلص وظيفته أو بمعنى أصح (مهمته من العام للعام) في إيقاظ الصائمين قبل الفجر حتى يتسنى لهم تناول السحور، حيث يدور المسحراتي في شوارع المدن والقرى حاملا "طبلة" يدق عليها دقات منتظمة، يتخللها بعض العبارات المعروفة والمتوارثة منذ الأجيال، وقد تنوعت أجيال "المسحراتية" في إدخال بعض ملامح البهجة في نداءاتهم المعتادة؛ بأن يتغنوا بأسماء الأطفال في بيوتهم لإضفاء البهجة والفرح عليهم كي يستشعروا بحلاوة الشهر الفضيل واختلافه عن باقي شهور السنة، فأصبح الأطفال ينتظرون الشهر المبارك في اشتياق إلى سماع طلبة المسحراتي وهي تتغنى بأسمائهم.
"مدفع الإفطااااار.... اضرب"..
ينتظر الصائمون هذا النداء عند مغرب كل يوم إيذانًا بانتهاء الصيام وابتهاجا بإتمام يوم الصوم في شعور بالرضا وهم يتذكرون الحديث الكريم (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)، والكثير قد يتساءل عن أصل هذا الطقس الرمضاني الذي لا يسمح بالفطور قبل سماع ندائه، فما هي قصة مدفع رمضان؟
ففي عام 865 هـ، مع غروب أول يوم من رمضان، قرر السلطان المملوكي خشقدم أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه، وكان السلطان يجري تجربة على المدفع الجديد، وصادف أنه أطلقه وقت المغرب، فظن الناس أنه إشارة للإفطار، وهكذا خرج الجميع شاكرين للسلطان. وقد أعجب السلطان بفرحة الناس، فأمر بتكرار إطلاق المدفع يوميًا، ومن هنا بدأ انتشار تقليد مدفع رمضان.
والآن.. وفي عامنا هذا.. اندثرت بعض الظواهر الرمضانية التي كانت تتلألأ كالنجوم في السماء بجوار هلال الشهر الكريم ومنها المسحراتي ومدفع الإفطار.. وفوازير رمضان (عمو فؤاد) والمسابقات.. وابتهالات النقشبندي ونصر الدين طوبار.. مع تغير الأزمنة أضحت كلها في خبر كان.
موائد الرحمن في مصر
اشتهرت مصر من بين الدول العربية بتقديم موائد الرحمن على مدار العام، والتي تشهد نشاطا مكثفا في شهر الخير، حيث دخلت مصر موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية عن أكبر وأطول مائدة رحمن في التاريخ، والتي امتد طولها إلى ستة كيلو مترات، واستضافت أكثر من 20 ألفا من ضيوف الرحمن، وكان ذلك في محافظة الإسكندرية، والتي تبعتها عدة محافظات في هذا العمل الخيري وقامت بآلاف الموائد في مختلف ساحات الجمهورية.
ولا تخلو ساحة من ساحات مساجد آل البيت (رضي الله عنهم) من موائد الرحمن التي يقصدها المريدون من كل حدب وصوب، تبركا بالإفطار بجوار آل البيت الكرام، فهناك مسجد السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، من سيدات أهل البيت، والتي اشتهرت بالعبادة والزهد، وهي صاحبة المسجد المشهور بالقاهرة، ولها مريدون على مر العصور يلازمون ساحة المسجد ولا يبرحون مكانهم، حتى إذا جاء رمضان، تجدهم يسعون في خدمة ضيوف المائدة في ساحة مسجد سيدتهم تبركا بها وبفضائل الشهر الكريم.
ونفس الحال في ساحات مسجد الحسين (رضي الله عنه)، إذ يفترش المصلون ساحات المسجد قبل الإفطار بالموائد الرمضانية في انتظار زوار الحسين حفيد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وضيوف الرحمن الصائمين من كل مكان، في أجواء لا تتكرر إلا في أيام الشهر الكريم.
قاهرة المعز في رمضان
ما إن تطأ قدماك هذا المكان حتى يأخذك سحره الخلاب، ففي قاهرة المعز تجد روائح الأزمنة القديمة وكأنك تحياها بتفاصيلها، كل ما هو حولك يجعلك تستشعر أجواء رمضان بنكهات مختلفة عن عصرنا الحالي، فتشعر أنك تشاهد رمضان زمان بجلساته البسيطة (التكية والقعدة العربي) وإبريق الشاي، والأغاني القديمة من خلال عازفين وفنانين تراهم وجها لوجه يجلسون بجوارك ويشاركونك اللحظات التي لا تنسى، ففعلا رمضان في مصر (حاجة تانية)..
حلقات العلم وختم القرآن
والمعروف في شهر رمضان المبارك القيام بحلقات الذكر وتحفيظ القرآن، وختم القرآن في صلوات التروايح والقيام، وتقوم بعض المساجد والكتاتيب بتدريب النشء على حفظ وتعلم القرآن ومعانيه في بداية الشهر الفضيل، حتى إذا اقترب الشهر من الانتهاء يبدأون في تسميع ما أتموا حفظه مما تيسر لهم من القرآن الكريم، ويأخذون المكافآت من شيوخهم كلٍ على قدر حفظه، وذلك تشجيعا للصغار على حفظ وتدبر معاني القرآن في الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
وختاما تتمنى أسرة موقع "مصريون في الكويت" أن يعم الخير واليمن والبركات كافة بيوت المسلمين في جميع أنحاء الأرض، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يُدخل على بيوتكم بركة الشهر الكريم وأن يعينكم الله على ذكره وشكره وحسن عبادته.
