لا تزال الديانة المصرية مصدر حيرة لعلماء تاريخ مصر القديم نظرا للطبيعة المعقدة والمتشابكة لتكوينها الفكري، الذي امتزجت فيه الأسطورة بالرؤية الفلسفية في ظل متغيرات تاريخية وسياسية امتدت وتشعبت على مدار عصور، الأمر الذي ترك أثره في بنيانها، وجعل فهم هذا الفكر الديني يتسم بطابع فلسفي شديد التعقيد.
وتمثل تراتيل أخناتون نموذجا لنصوص دينية عديدة تركها المصريون القدماء، أسهمت في تسليط الضوء على المضمون الفكري واللغوي لفلسفة الفكر الديني في البيئة المصرية قديما بكل أبعادها الحضارية والتاريخية والإنسانية والروحية قبل ظهور الأديان السماوية بآلاف السنين، منها: "أيها الإله الأوحد، الذي لا شبيه له، خلقت الدنيا كما شئت عندما كنت وحدك، والناس والماشية الكبيرة والصغيرة وكل ما على الأرض يسعى على قدميه، وكل ما يرتفع (في السماء) ويطير بأجنحته"، مقتطف من
قصة مسلة مصرية تحتفل أمامها فرنسا كل عام بعيدها الوطني
كان اعتقاد المصري قديما في وجود "قوة إلهية" كلية القدرة عنصرا أساسيا في فكره الديني، وقد أبرز بوضوح مفهوم "وحدانية الإله"، وسجّله مراراً في نصوص أدب الحكمة. إنه "إله" بدون مواصفات يتمتع بقدرات لا نهائية، ترسم بعض ملامحه مقتطفات مثل: "ليست إرادة الإنسان هي التي تتحقق، بل تدبير الإله (تعاليم بتاح حوتب)"، "كل من يفعل هكذا، سيمجد الإله اسمه (تعاليم آني)"، "الإنسان طين وقش، وصانعه هو الإله (تعاليم امنمؤوبي)"، "أدخلت السرور على قلب الإله لأني فعلت ما يجب (تعاليم من عصر الدولة الوسطى)".
وهذا ما دفع العالم الفرنسي روبير-جاك تيبو في دراسته "معجم الأساطير والرموز المصرية" في مادة "إله (واحد)" إلى أن يقول: "قطعا لم يتجه ملوك مصر وشعبها بتعبدهم نحو مجموعة من الآلهة (الوثنية كما يعتقد البعض). بل على النقيض، عبدوا إلها واحدا، خالق الأرض: إنه إله صانع فخار، شكّل خلقه بالطين الصلصالي ومياه النيل، بعد ذلك نفث فيه من روحه".
ويضيف: "على مدى ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، كانت الطقوس الدينية تكرر، بلا ملل أو كلل، ذكر هذا العمل الخلّاق من خلال بعض الأساطير. وهكذا استطاع كل فرد مُطهر ومُطلع حديثا على الأسرار أن يعيش فترة تأسيس هذا البلد الذي أحبه الإله وعمل على حمايته".